الاثنين، 28 ديسمبر 2009

المياه والصرف الصحي .. إهتمام متأخر

هدير احمد
لم يكن مستغرباً أن يطبع على جو المؤتمر الصحفي الذي نظم قبل إنطلاق ورشة عمل قضايا المياه وعلاقتها بالصحة التي أقيمت بمجلس الوزراء بعض الهمس الذي يطعن فيما يمكن ان يقدم من حلول وتساؤل عن أسباب طرح قضية بهذا القدر من الأهمية في هذا التوقيت المتأخر، وعندما علا هذا الهمس جاء رد الدكتور عمر محمد صالح الأمين العام لمجلس الوزراء: بأن تصل متأخراً خيراً من ألا تصل أبداً. وقد ضمت الورشة عدداً من متخذي القرار ممثلين في وزراء الدولة على المستويين الإتحادي والولائي وعدداً من مديري الإدارات والخبراء والمهتمين من السودان كافة.
وقد اختلفت العبارات حتى اللغات التي تحدث بها السادة الوزراء عن موقفهم من قضايا المياه والصرف الصحي الآمن وإن إتسق ما أشاروا إليه من أهمية القضية وأحقية المواطن بماء نقي وصرف صحي آمن وسد الفجوة في الماء الآمن المقدرة بـ«55%» في معظم ولايات السودان. ورهن الدكتور حسن أبوعائشة وزير الدولة بوزارة الصحة الإتحادية إنخفاض نسبة الأمراض الى النصف في حال تحقق الأمن المائي، وأشار الى أن أكثر من «85%» من الأمراض سببها تلوث المياه. وقال المهندس كمال علي وزير الري إن تغطية شبكات المياه بلغت «70%» في الريف و«58%» في الحضر، وأضاف: ان العدد العام للسدود إرتفع من «30» الى «140» سداً.
الى ذلك أشار الاستاذ كوستا منيبي وزير رئاسة مجلس الوزراء الى أن الحديث عن أمن المياه يعني الحديث عن التنمية وتحقيق أهداف الألفية الثالثة، وشدد على ضرورة التأكد ليس فقط من كفايتها كماً بل من نوعيتها وترشيد إستخدامها، وأكد على أهمية دور المرأة في التوعية بهذه القضية.
وبدا القلق واضحاً في الورشة من مظاهر التطور الصناعي المتصاعدة التي تشهدها مدن السودان، وجعلت القلق صفة موازية خاصة مع وجود «27» قانوناً غير مفعل في مجال المياه والبيئة، قوانين تضع إلحاق الضرر بالمياه والبيئة في خانة جرائم الإرهاب ويحدد لها عقوبة لا تتجاوز «20» عاماً وذلك حسب قانون مكافحة الإرهاب، ويكفي الإشارة الى أن اكثر من «88%» من وفيات الأطفال بالسودان حسب ما أوضح البروفيسور تاج السر بشير المستشار بمجلس الوزراء بسبب المياه الملوثة مما يحتم تفعيل هذه القوانين «الميتة»، ومن المهم ان تستصحب هذه المعادلة كما يقول خبراء الصحة حقيقة أن الخرطوم هي الولاية الوحيدة التي تتمتع بالصرف الصحي الذي لا يشمل غير ثلاثة أحياء فقط بها. وأوضح تقرير ورد في عدة أوراق بالورشة أعدته منظمة الصحة العالمية واليونسيف لهذا العام ان تغطية المياه والصرف الصحي الآمن بالسودان تقل عن «50%».
فيما تقول الورقة التي قدمتها وزارة الري والموارد المائىة إن تغطية الحضر بمياه الشرب تصل الى «70%» تقريباً، وتصل في الريف الى «51.6%»، وهذا للعام 2008م بينما تصل التغطية لمرافق الصرف الصحي نسبة «63%» في الحضر و«23%» فقط في الريف.
وفي المقابل تصنف الأمم المتحدة حسب تقدير أعد لها حديثاً، السودان ضمن الدول التي لديها شح في المياه، الأمر الذي قد يجعلنا مستقبلا من المشاركين في حرب المياه، وبالطبع ليس كمستهدفين وذلك حسب النسبة المقدرة من وزارة الري في فجوة المياه الآمنة بالسودان والعجز اليومي الذي يصل الى «37%».
كل ذلك بعيداً عن الطرق على نوافذ أخرى من المشكلة وهو الكادر العامل في مجال المياه الذي يعد أغلبه في سن المعاش.
ورغم ذلك لا يمكن التخلص منهم لعدم وجود كادر شاب مؤهل في معظم الولايات، وتشير ورقة العمل التي أعدتها وقدمتها وزارة الري والموارد المائية بالورشة الى وجود عجز في الكوادر الفنية في مجال المياه، وقدرت عدد الفنيين بالخرطوم بـ«124» فنياً وعجزه يصل الى «411» فنياً ولا تختلف نسب معظم الولايات بالسودان عن تلك النسبة بل قد تزيد.
ويدق ناقوس الخطر عندما تشير وزارة الصحة القومية في ورقتها المقدمة الى أن «23%» فقط من السكان يتمتعون بوسائل آمنة للصرف الصحي والمياه وأن نسبتهم تصل الى «7%» بولاية جنوب كردفان والى «5%» بولاية النيل الأزرق.
وأشاد الوزراء الولائيون المشاركون بالورشة التي عقدت يومي الاثنين والثلاثاء الى عدة مشاكل تواجه المياه بالولايات وهي متأخرات على الدولة تجاه إدارات المياه تصل في ولاية بورتسودان الى «3» مليارات إضافة الى إشارتهم الى نقص في مدخلات المياه مثل المواد المستخدمة في تحلية المياه وتنقيتها والى تهالك شبكات المياه في العديد من الولايات، ونوهوا الى ضرورة توجيه الاهتمام الى الريف بصفته الأغلب وذلك في إشارة الى أن نسبة الحضر للريف تصل الى «68%» مقابل «32%» حسب الإحصاء السكاني الأخير، وبالطبع لم تنحصر المشاكل التي ذكرها المشاركون من الولايات كافة في نقص المياه وضعف الكوادر فقط. وأوضح المهندس محمد الحسن عماد أن مصادر المياه نفسها مهددة بالتلاشي وأن العديد من السدود الصغيرة والكبيرة التي تحتجز مياه الأمطار إصبحت مهددة وتعاني من الأطماء، وتنهار لأنها ترابية ولا تخضع للمراجعة الدورية، وأشار عدد من الوزراء المشاركين الى ضرورة تحديد تعرفة المياه، وذلك بمعاملتها إما كسلعة تقوم الجهات المنتجة لهذه السلعة بحساب تكلفتها الإنتاجية وحسب ذلك تطرحها للمشتري، أو أن تعامل كخدمة تقوم الدولة بدعمها حتى تتوافر بصورة مستدامة للمواطن، وفي هذا الجانب أوضح الاستاذ محمد الحاج بوزارة التخطيط العمراني شمال كردفان أن هناك عدم عدالة عندما يُحظى سكان المدن بمتر المياه المكعب بـ«1» جنيه بشبكة تصل حتى منازلهم بينما سكان الريف يقطعون مسافات طويلة تصل الى «3» كيلومترات ليدفع مقابل المتر المكعب من الماء «6» جنيهات، وأشار الاستاذ يوسف عوض الكريم ولاية الجزيرة الى ضعف تحصيل رسوم المياه في الولايات مثل الجزيرة وكسلا وغيرهما والى أنها قد تصل الى «50%»، وانتقد كذلك طرق تحصيلها البدائية التي قال إنها يجب النظر في أمرها.
الى ذلك خرجت الورشة بعدة توصيات وهي النظر في إنشاء كيان إتحادي خاص بالمياه والصرف الصحي مع أهمية تفعيل العلاقة بين الهيئات الولائية والمحليات ووضع تعرفة حقيقية لتكلفة المياه على أن تكون تلك التعرفة ملزمة للحكومات الولائية والمجالس التشريعية وإعادة النظر في تعرفة الكهرباء التي تحاسب بها محطات المياه لتكون بمستوى تعرفة القطاع الزراعي وهي «22» أو أقل لضمان إستمرار إمداد المياه، بالإضافة الى دعم قواعد البيانات في كل الولايات، وزيادة فرص التدريب الخارجي للعاملين، وتشجيع الاستثمار في قطاع المياه والصرف الصحي وضبط الرقابة على المصانع مع تفعيل القوانين الموضوعة.  

الرأي العام
28 ديسمبر 2009

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

دار السلام تستغيث .. الطفلة والرصاصة

كتبت: هدير أحمد
هؤلاء الذين غادرتهم الحرب أو غدرت بهم بعد أحداث خليل إبراهيم في دارفور وتركتهم يعيشون حاضر حياتهم ممزوجاً بتلك الذكريات القاسية مجُلدات تحمل فصولاً من الأسى لا تنتهي وهم يختبئون خلف ستار الإبتسامات. لوحات تجسد الألم.. رؤاهم للمستقبل تساؤلات أكثر حيرة من تلك التي تحملها عصى أعمى في بحثها عن الأمان. أطفالهم يعرفون طعم الدموع أكثر من طعم الحليب وكبارهم صاروا يجيدون الأنين ولا يعرفون الغناء. «دار السلام» هي إحدى هؤلاء الذين أطلق عليهم ضحايا الصدفة، صدفة سيئة جعلتهم في المكان والزمان الخطأ لكن هي ليست كذلك لأن الحروب لا تصنعها الصٌُدف.
ففي ذلك النهار في أعقاب أحداث خليل إبراهيم في منطقة دارفور.. خرجت «دار السلام» ذات الأعوام التسعة من بيتها لتجلب لأسرتها الماء من بئر على مشارف حيّها بغرب دارفور، بعثت بها والدتها بعد ان إستكانت للأوضاع الأمنية التي في الحقيقة كانت رماداً تستعر من تحته النيران، تواترت خطاها وهي تحمل بيدها إناء الماء وأجزم أنها لم تتوقع في أسوأ كوابيسها ان تعترضها تلك الرصاصة الغادرة التي أصابتها فوق عينها اليمنى لتدخل أذنها وتخرج من خلف رقبتها، وقعت على الأرض مضرجة بالدماء وهي تسيل من أذنها وعينها ورقبتها حتى غطتها بكاملها، حملها بعض المارة إلى والدتها التي لم تحتمل المشهد ولم تستطع حتى ان تحملها.. اصطحبها نفر من الأهل إلى مستشفى دارفور وأسعفت وتم تحويلها إلى الخرطوم مستشفى بحري لتبدأ رحلة معاناة يومية.
أصيبت أذن «دار السلام» فلم تعد تسمع بوضوح وتضررت الأعصاب المتحكمة بفتح وإغلاق الفم مما أدى إلى إعوجاجه ناحية الشمال.
باشرت جدتها «مريم» التي تقطن الدروشاب جنوب في منزل متواضع وتعمل «فراشة» بمدرسة في نفس الحي وزوجها ليس لديه وظيفة ثابتة الدخل ويعمل بالأعمال الحرة، باشرت رحلة «الدردرة».. من مستشفى إلى آخر لا تملك لها سوى الدعوات والدموع وتحكي عن انها وزوجها يعولان الأسرة بدخل يومي لا يتجاوز الـ «7» جنيهات.. وتقول نعيش في سترة حال والحمد لله فقط مصاريف العلاج كثيرة علىَ.
ترغمها متابعة العلاج إلى الذهاب يومياً في السابعة صباحاً إلى المستشفى لتعود بها عند العصر لا تحمل سوى الفراغ.. إرتسمت على وجهها البسيط آلاف الاسئلة كيف طيب حناكل عيش؟ وحق الدواء حنجيبوا من وين؟ واسئلة أخرى وددنا لو كنا نحمل الإجابة عنها.
صور الأشعة المقطعية التي طلب الطبيب إجراءها بالمركز الطبي الحديث وحدها تكلف «006» جنيه.. «دار السلام» لم يعد بإمكانها الأكل لأن فمها لا يفتح بما يكفي إلا بعد اجراء التمارين الخشبية التي تؤلم أقصى الألم لوجود كسر في الفك وترفض بعدها تناول الطعام حتى تصاب الأسرة بكاملها بحالة زهد في الأكل جراء ما تعانيه هذه الطفلة من ألم.
لتستطيع العودة إلى سابق عهدها:
«دار السلام» تأمل من الجميع ان يتحسسوا قلوبهم لتذكرهم بأن النبض فقط ليس هو دليل الحياة.
ونأمل بأن نكون جميعاً سبباً في أن تستعيد سمعها وحديثها وضحكتها التي ما عادت تخرج إلا بصعوبة وألم وأن نمحو عن وجهها ندوباً وتشوهات خلفتها الحرب في زمن السلام.
وتقول الدكتورة سمر محمد الحسن المشرفة على علاج الطفلة ان علاج الطفلة يتمثل في ادخال حديد مقوم داخل الفم لربط الفك المكسور ومتابعة العلاج الطبيعي بتكلفة تقدر بمبلغ «2000» جنيه.
الرأي العام
16 اكتوبر 2009
الروابط: