دار السلام تستغيث
الطفلة .. والرصاصة
كتبت: هدير أحمد
هؤلاء الذين غادرتهم الحرب أو غدرت بهم بعد أحداث خليل إبراهيم في دارفور وتركتهم يعيشون حاضر حياتهم ممزوجاً بتلك الذكريات القاسية مجُلدات تحمل فصولاً من الأسى لا تنتهي وهم يختبئون خلف ستار الإبتسامات. لوحات تجسد الألم.. رؤاهم للمستقبل تساؤلات أكثر حيرة من تلك التي تحملها عصى أعمى في بحثها عن الأمان. أطفالهم يعرفون طعم الدموع أكثر من طعم الحليب وكبارهم صاروا يجيدون الأنين ولا يعرفون الغناء. «دار السلام» هي إحدى هؤلاء الذين أطلق عليهم ضحايا الصدفة، صدفة سيئة جعلتهم في المكان والزمان الخطأ لكن هي ليست كذلك لأن الحروب لا تصنعها الصٌُدف.
ففي ذلك النهار في أعقاب أحداث خليل إبراهيم في منطقة دارفور.. خرجت «دار السلام» ذات الأعوام التسعة من بيتها لتجلب لأسرتها الماء من بئر على مشارف حيّها بغرب دارفور، بعثت بها والدتها بعد ان إستكانت للأوضاع الأمنية التي في الحقيقة كانت رماداً تستعر من تحته النيران، تواترت خطاها وهي تحمل بيدها إناء الماء وأجزم أنها لم تتوقع في أسوأ كوابيسها ان تعترضها تلك الرصاصة الغادرة التي أصابتها فوق عينها اليمنى لتدخل أذنها وتخرج من خلف رقبتها، وقعت على الأرض مضرجة بالدماء وهي تسيل من أذنها وعينها ورقبتها حتى غطتها بكاملها، حملها بعض المارة إلى والدتها التي لم تحتمل المشهد ولم تستطع حتى ان تحملها.. اصطحبها نفر من الأهل إلى مستشفى دارفور وأسعفت وتم تحويلها إلى الخرطوم مستشفى بحري لتبدأ رحلة معاناة يومية.
أصيبت أذن «دار السلام» فلم تعد تسمع بوضوح وتضررت الأعصاب المتحكمة بفتح وإغلاق الفم مما أدى إلى إعوجاجه ناحية الشمال.
باشرت جدتها «مريم» التي تقطن الدروشاب جنوب في منزل متواضع وتعمل «فراشة» بمدرسة في نفس الحي وزوجها ليس لديه وظيفة ثابتة الدخل ويعمل بالأعمال الحرة، باشرت رحلة «الدردرة».. من مستشفى إلى آخر لا تملك لها سوى الدعوات والدموع وتحكي عن انها وزوجها يعولان الأسرة بدخل يومي لا يتجاوز الـ «7» جنيهات.. وتقول نعيش في سترة حال والحمد لله فقط مصاريف العلاج كثيرة علىَ.
ترغمها متابعة العلاج إلى الذهاب يومياً في السابعة صباحاً إلى المستشفى لتعود بها عند العصر لا تحمل سوى الفراغ.. إرتسمت على وجهها البسيط آلاف الاسئلة كيف طيب حناكل عيش؟ وحق الدواء حنجيبوا من وين؟ واسئلة أخرى وددنا لو كنا نحمل الإجابة عنها.
صور الأشعة المقطعية التي طلب الطبيب إجراءها بالمركز الطبي الحديث وحدها تكلف «006» جنيه.. «دار السلام» لم يعد بإمكانها الأكل لأن فمها لا يفتح بما يكفي إلا بعد اجراء التمارين الخشبية التي تؤلم أقصى الألم لوجود كسر في الفك وترفض بعدها تناول الطعام حتى تصاب الأسرة بكاملها بحالة زهد في الأكل جراء ما تعانيه هذه الطفلة من ألم.
لتستطيع العودة إلى سابق عهدها:
«دار السلام» تأمل من الجميع ان يتحسسوا قلوبهم لتذكرهم بأن النبض فقط ليس هو دليل الحياة.
ونأمل بأن نكون جميعاً سبباً في أن تستعيد سمعها وحديثها وضحكتها التي ما عادت تخرج إلا بصعوبة وألم وأن نمحو عن وجهها ندوباً وتشوهات خلفتها الحرب في زمن السلام.
وتقول الدكتورة سمر محمد الحسن المشرفة على علاج الطفلة ان علاج الطفلة يتمثل في ادخال حديد مقوم داخل الفم لربط الفك المكسور ومتابعة العلاج الطبيعي بتكلفة تقدر بمبلغ «2000» جنيه.
الرأي العام
الجمعة 16 إكتوبر 2009م
الروابط:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق