السبت، 26 مارس 2011

خصخصة الإمدادات الطبية .. الفاعل مجهول!!

تقرير: هدير أحمد
كما يقولون: (الشينة منكورة)، أصبحت خصخصة هيئة الإمدادات الطبية قضية مثارة بايدٍ خفية، وفعل مقيد ضد مجهول، حيث أخلت معظم الجهات ذات الصلة طرفها من الوقوف خلفه رغم انه خاضع للنظر منذ أكثر من سبع سنوات،ولكن نأت هذه الجهات بنفسها بعيداً حتى لا تكون فى موضع إتهام أو مساءلة من قبل الرأى العام مستقبلاً ، أو ربما ثقة منها بأن تحول الهيئة فى حال الخصخصة الى شركة ربحية تتكسب على (سقم) المواطن أمر لاتقبله الفطرة الانسانية السليمة.
ملتقى خصخصة الإمدادات الطبية الذى أقيم أمس الأول بمجلس التخصصات الطبية الذى غاب عنه صوت د. جمال خلف الله مدير الامدادات الطبية - الجهة التى كان حضورها واجباً - لتوضح وجهة نظرها من القضية خاصة بعد أن أخذ منظمو الملتقى على عاتقهم مناقشة القضية للخروج بتوصيات تعين أهل القرارعلى أخذ جانب الصواب خاصة وان الملتقى ضم العديد من الجهات ذات الصلة وإستعرض التجربة الماليزية المماثلة،رغم تنويه أكثرمن مداخلة للحضوربأن المقاربة بين السودان وماليزيا أبعد ما يكون مع تفاوت نمو الناتج القومى ومعدلات الفقر والدخل الكلى للفرد.
ومع المفارقة.. إستعرض البروفسيرمحمد إسهام الخبيرالماليزى تجربة بلاده فى خصخصة قطاع الإمدادات الطبية، والتى أدت الى زيادة اسعار الادوية مع حدوث ندرة فى الامدادات بالاسواق الماليزية. ومن جهته رفض المؤتمرالوطنى بشكل قاطع الوقوف مع مناصري خصخصة هيئة الامدادات الطبية ،ووصف على لسان د.مندور المهدى نائب رئيس الحزب بولاية الخرطوم والمدير السابق لهيئة الامدادات الطبية الخصخصة بأنها قتل لكل الشركات الصغيرة العاملة بمجال الإمداد الطبى بالبلاد إضافة الى ان الدواء سلعة لا تقبل أن تتحكم فيها جهات ربحية ترهن حسابها بمبدأ الربح والخسارة ومبدأ المنافسة غير مضمونة العواقب،وأكد مندور أن المخاطر فى حال إعتمدت الدولة سياسة الخصخصة ستكون كبيرة لان عقد المؤسسات الصحية التى تشرف الدولة عليها بالكامل سينفرط وستختلف هيكلة النظام الصحى بالدولة.
وعبر الحقائق والأرقام أوضح د.مندور الدور الذى لعبته الامدادات الطبية خلال الأعوام الماضية فى تأمين حاجة الدولة من الأدوية،واشار الى ان الهيئة أنشئت كإدارة حكومية تتبع لوزارة الصحة فى العام 1934م بهدف توفير الدواء المجانى للمؤسسات الصحية التى تتبع للوزارة وظلت تقوم بهذا الدور صعوداً وهبوطاً وفق الحالة الإقتصادية العامة، بينما شهدت البلاد فى الثمانينيات عجز الدولة فى توفير الدواء المجانى مما تسبب فى إنقطاع عدد كبير من الأدوية المنقذة للحياة ومضت الأوضاع نحو التفاقم خلال التسعينيات نتيجة للحصار السياسى والإقتصادى ومنع دخول العلاج حتى أصبح المواطن يسهم فى تكلفة العلاج لضمان الوفرة، ومن ثم قامت الدولة ببعض المعالجات لترفع نسبة التغطية التى بلغت فى العام 1989م ما نسبته (15%) فقط حتى وصلت التغطية الدوائية فى العام 2007م الى (92%) وشملت التغطية الجغرافية للمستشفيات بخدمات الدواء الى (91%) من جملة المستشفيات.
الحجم الفعلي الذى أشار د. مندور الى أن هيئة الإمدادات الطبية تضمن توافره من الادوية يبلغ نحو (150) نوعاً من الدواء غير موجود بالأسواق، كما لاتقوم شركات القطاع الخاص بتوفيرها لقلة الارباح وإرتفاع كلفة شرائها ونقلها وتخزينها وصعوبة إجراءات الحصول عليها، وقال إن الدولة لم تدفع أي أموال للإمدادات الطبية التى صرفت (20) ملياراً من ميزانيتها الخاصة.
وأبدى د. مندور تخوفه اذا آلت الهيئة للقطاع الخاص الذى يمكن أن تفقد (ميكانيزما الأسعار) عندها ستفقد الدولة سلطة التحكم فى الأسعار وقد لايجد المريض الفقير نصيبه للحصول على الدواء بعد أن يصبح تجارة.
وفى موقف مغاير تطرح ولاية الخرطوم رؤية للخصخصة حيث أبلغ د.حسن بشير مدير الإمداد الطبى، مسؤول صندوق الدواء الدائرى بوزارة الصحة ولاية الخرطوم (الرأي العام) بوقوفهم مع إتجاه الخصخصة المطروح وفق شروط تضمن عدم حدوث أى إنفلات فى الأسعار أو التوزيع.
وتكمن الضمانات التى قدمها د.حسن فى حجم النسب التى دعا الى ان تكون حصة الدولة فيها تزيد عن (50%) بما يسمح لها بمراقبة الأسعار والجودة والتوزيع العادل للإمداد الدوائى بكافة المناطق، فيما تمتلك الجهات المشاركة الأخرى باقى الحصة خاصة ان شركات القطاع الخاص الشريك الآخر يمكن أن يشترى من الخارج عبر (الشراء الموحد) الذى يسمح بزيادة الميزات التفضيلية لتلك الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص لتخفيض الأسعار ودعم موازنة الدولة عبرالرسوم والضرائب التى ستفرض على الشركات.
الدافع للخصخصة يبدو واضحاً لدى د.حسن حيث يشير الى ان التدهور الذى تشهده خدمة الإمداد الدوائى بالدولة أصبحت جلية للعيان وإستشهد بالنقص الحاد فى المحاليل الوريدية والأدوية المنقذة للحياة وأدوية مرضى الكلي، واصفاً ذلك بأنه أمر لا يقبل المساومة. ويؤكد د. حسن بقوله: (إذا كانت الدولة غير قادرة على رفع سقوف الخدمة وتغطية الحاجة الماسة للدواء فى كثير من المناطق التى تشهد عجزاً فى الامداد الدوائي، ولاتتمتع بالشفافية فى فرص التعيين فى المجال فمن الأفضل أن يتسلم القطاع الخاص زمام الامور).
وبوضوح لافت عبر د. صلاح كمبال - أمين عام المستوردين عن رأيه مشيراً الى أن فكرة الخصخصة تعتمدها الدولة عادة فى حال رأت مؤسسة تابعة للقطاع العام غير ناجحة ولا تقوم بالدور المطلوب، لكن ما يراه د. صلاح غريباً هذه المرة أن الفكرة انطلقت من مسؤولين بالقطاع العام إن لم تكن من جهات غير معلومة، الامر الذى جعله يصف مجريات الأحداث بأنها (ملعبة) خاصة وأن الإمدادات الطبية ظلت طوال سنوات تضطلع بدورها فى توفير أدوية لايوفرها القطاع الخاص وتضمن الوفرة والتغطية.
فى ذات الوقت، دعا كمبال الى تكامل العمل بين القطاعين العام والخاص فى مجال توفير الإمدادات الطبية بالبلاد ودحر كل الأسباب التى من شأنها هدم هذا الإنسجام، وأكد عدم رغبة العديد من شركات القطاع الخاص الدخول فى هذه الصفقة وقال: (ليست لدى الرغبة فى شراء سهم واحد أو الدخول فى هذا الأمر).
ولكن حتى لا يتفرق (دم هيئة الامدادات الطبية) بين القبائل اوالجهات التى مضت بين معارض ومؤيد لقرار الخصخصة، ربما كان من الأفضل كما إقترحت المشاركات فى الندوة علينا أن يجرى (إستفتاء حول الأمر) عسى أن تحسم هذه القضية الحساسة دون أن تخضع لحسابات الربح والخسارة.

الرأي العام
السبت 26 مارس 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق