الخرطوم : هدير أحمد
حقائق ومعلومات صادمة طرحها تقرير وزراة العمل حول واقع الإيدز فى السودان ، وربما كان أكثرها صعوبة ماذكر حول التحديات الثقافية التى تواجه مكافحة المرض فى بعض الولايات الطرفية بالبلاد، وهنا ونقلاً عن التقريرالرسمى للوزارة الذى يقول: (أن بعض المناطق بالبلاد رسخت بها معتقدات أن إغتصاب صغيرات السن العذراوات يشفى من مرض الأيدز)، تبعاً لهذا الواقع بدت الصورة أكثر قتامة وإتضحت صعوبة التحدى الماثل أمام الدولة والمجتمع الدولى بكافة كياناته لمعالجة قضية الأيدز فى السودان والذى إعتبره التقرير مهدداً إقتصادياً وأمنياً من الدرجة الاولى .
تفاؤل مبرر
وبالرغم من ذلك ، عكس حديث د.داك دوك بيشوب وزير العمل فى ورشة (إستراتيجية مكافحة فيروس الأيدز فى عامل العمل) والذى أشار الى تراجع معدلات الأيدز بالبلاد نتيجة لإنفصال الجنوب ، بصيص أمل للحضور،حيث أكد بيشوب أن ذلك مرتبط بضعف الحالات المسجلة بالشمال، مقارنة بمعدلات الإصابة المرتفعة بالجنوب بسبب للحروب والنزوح والنزاعات القبلية وإنصهارالحدود الجنوبية مع دول سجلت معدلات إصابه عالية جداً كيوغندا وكينيا، وإتهم الوفود الأجنبية (بأنها ضالعة فى نقل تلك الأمراض بهدف شغل الدولة عن خطط التنمية والتطور)، وحذر الوزير من تفاقم البطالة والتى إعتبرها مشكلة حقيقية ترفع معدلات الأصابة بالمرض ، لذا أكد على مضى الدولة فى خلق فرص توظيف مناسبة للخريجين بإعتبارها آلية فاعلة وخطوة فى إتجاه محاصرة المرض .
إختراق الحدود أحد الأسباب
ويقول آدم حمد وكيل وزارة العمل، ان إستراتيجية مكافحة فيروس الايدز للعام 2010- 2014 احدى آليات الدولة الفاعلة لمحاربة المرض ، وبحسب حمد فان واقع التعامل مع المرض بالبلاد من المتوقع ان تطرأ عليه العديد من التغيرات فيما يلى الإنفصال خاصة فى جانب مسح بيانات العمل وذلك تمهيداً لأنفاذ خطط محاصرة المرض ميدانياً ، وعلى مستوى الولايات.
حيث أكد ان الإستراتيجية تشتمل على مشروعات العلاج لكنها تتطلب الدعم من جهة الدولة والمجتمع الدولى والمنظمات.
وعن واقع حدود البلاد التى يحدث بها إختراق فى بعض الاحيان من العمالة الوافدة من دول الجوار ، شدد حمد على ضرورة إحكام الحدود مع دول الجوار وضبط العمل فى الدوائر الأمنية والصحية والتعليمية بالبلاد.
ومن جهته ، ربط التقرير بين تعدد جوار السودان مع دول تسجل معدلات إصابة عالية مثل أثيوبيا وأرتريا وكينيا ويوغندا وافريقيا الوسطى وتشاد والتداخلات القبلية والعرقية العالية للسودان بتلك الدول ، إضافة الى إرتفاع معدلات الهجرة نتيجة للحروب الاهلية وبشكل خاص فى إقليم دارفور و بشرق السودان حيث قدرت آخر إحصائيات الأمم المتحدة أعداد النازحين بـ(4)ملايين نازح يقيم معظمهم فى معسكرات تتركز فى دارفور والشرق وجنوب البلاد ، الأمر الذى يقود بدوره الى إنعكاسات سلبية اخرى تتمثل فى زيادة معدلات والتهميش والبطالة والفقر والذى وصلت تقديراته الاخيرة حسب التقرير الى (90%) الأمرالذى تتبعه زيادة فى معدلات تفشى وباء الايدز بالبلاد .
أرقام صادمة
تشير إستراتيجية مكافحة فيروس الايدز للعام 2010- 2014م الى أن أرتفاع معدلات البطالة بالبلاد تقود بدورها الى إرتفاع قياسات مرض الايدز حيث تدنى مؤشر إستيعاب المسجلين لطلب الوظائف لدى لجنة الاختيار للخدمة العامة خلال السنوات الأخيرة من (24% - 3.3%).
وبالرغم من أن التقرير أشار الى ان عدد حالات الأصابة المسجلة تصل الى (600)ألف حالة بالسودان ، غير أنها لاتعبر عن العدد الكلى لحالات الأصابة بالمرض نتيجة ارجاعها لضعف النظام الاحصائى بالقطاع الصحى ومحدودية المعامل المؤهلة للقيام بفحص الأيدز وفقاً للمواصفات، بجانب صعوبة الإتصال بين المركز والولايات .
وكشف التقرير أن أشكال إنتقال الوباء فى السودان تصل نسبتها الى (97%) للإتصال الجنسي غير المحمي ، لتمثل أكثر الفئات العمرية تأثراً بالمرض الفئة مابين (19-39) سنة ، وتصل نسبة إنتشار المرض بين المساجين حسب الإحصاءات الأخيرة الى (2.5%) ،وبمعسكرات اللاجئين تصل الى(4%) ، بينما تصل الى (1%) وسط النساء الحوامل ، وتتطابق نسب الأصابة وسط سائقى الشاحنات مع نسب الاصابة وسط بائعات الشاى حيث تصل الى (2.5%) ، ولترتفع النسبة مرة اخرى لتصل الى (4.4%) وسط بائعات الهوي ،وتنخفض قليلاً وسط طلاب الجامعات لتصل الى (1.1%) ولتصل أخيراً الى (2.3%) وسط أطفال الشوارع.
شراكات مطلوبة
ومن منطلق أن قطاع العمل الخاص بالبلاد يستوعب أكثر من (70%) من العمالة فى القطاع المنظم ، كان لابد من تمازج الشراكات للعمل على محاربة المرض ، وتفعيل دور القطاع الخاص فى هذا الجانب والإستفادة من الإمكانياته المالية الضخمة بجانب دوره فى إنفاذ تشريعات السلامة المهنية وإزالة الوصمة التى تنسب لحاملى المرض ، بجانب دفعه للمساهمة فى جهود وخطط محاربة الايدزفى عالم العمل، كما ركزت الإستراتيجية على ضرورة إشراك الإتحادات النقابية للعمال بوصفها ممثلي للقطاع الخاص والعام إضافة الى تمثيلها لفئات القطاع غير الرسمى لتصل الأجسام النقابية الى كافة مستويات العمال وعلى مستوى جميع الولايات ، وبالطبع تستصحب هذه الشراكات أوساط المزارعين والرعاة نسبة لثقل هذه القطاعات فى التأثير على الأقتصاد القومى فى ولايات متعددة مثل القضارف والنيل الازرق والجزيرة إضافة الى ولايتى كردفان ودرافور.
وأشار التقرير الى ان مارفع معدلات القلق لدى الدولة وإتحادات أصحاب العمل ، أرتفاع معدلات الإصابة بالمرض وسط الفئات النشطة إقتصادياً والتى تتراوح بين (20-50)سنة الامر الذى إستدعى خطة ومعالجة سريعة لدرء تأثير تداعيات المرض السالبة على بيئة العمل التى يمكن ان تتفاقم بدورها لتصل الى إعاقة الدولة تنموياً وإقتصادياً.
توقيت الإستراتيجية
مادفع الدولة الى دق ناقوس الخطر وطرح إستراتيجية محاربة الأيدز فى هذا التوقيت هو التوجة الشامل للحكومة للإرتقاء بالقطاعات المنتجة فى الفترة المقبلة وتفعيلها بطاقتها القصوى ، مستصحبة فى ذلك التغيرات التى طرأت على روافد موازنة الدولة بعد الأنفصال ، الى جانب إرتفاع معدلات الفقر فى الفترة الاخيرة حيث صنف التقرير الفقراء الفئة الأكثر تعرضاً للمرض دون غيرها حسب مايعرف بقابلية التعرض. ويشير التقرير بوضوح الى سلسلة المشكلات الناجمة عن المرض من فقدان الوظيفة المتدرج نتيجة للضعف الجسمانى والذهنى دون وجود إمكانية لإحلال العمالة مما يهدد قطاعات الانتاج ويقلص الموارد ويحمل المؤسسات الحكومية نفقات باهظة ، كما يؤثر على الحقوق الأساسية للعامل لاسيما فى حالة مواجهة التمييز والوصم من قبل المؤسسة.
ومضت الإستراتيجية فى الحديث عن سياق التحديات التى تواجة الدولة لصد وباء مرض الايدز أشارت البيانات الى ان التقديرات العالية للهجرة الرسمية وغير الرسمية تؤدى الى صعوبة محاربة المرض خاصة ان هناك فئات تعيش فى الظل خوفاً من تعرضها للمضايقة مثل فئة المهاجرين غير الرسمين اذ عادة ما يتخوفون من اللجوء الى الخدمات الطبية ، بجانب ضحايا الإغتصاب غير المسجلين لدى مراكز الشرطة نتيجة لخوفهم أن يصبحوا مبعدين من قبل المجتمع ، إضافة الى وجود بعض التفلتات الحدودية نتيجة لضعف الإجراءات الرقابية فى ظل ضغوط الهجرة من دول الجوار للحروب والفقر والحاجة لإيجاد عمل.
وبالطبع لايمكن أن نبارح خانة التحديات دون الإشارة الى ما تلعبة التقاليد والثقافات الخاطئة المتوارثة التى تسهم بشكل اساسى فى زيادة معدلات المرض بالبلاد كنموذج توارث إمرأة الاب وإمراة الاخ التى تسود ببعض المانطق بالجنوب ، إضافة الى مناطق اخرى رسخت بها معتقدات على شاكلة ان إغتصاب صغيرات السن يشفى من المرض، بالاضافة الى ما تتسبب به الصراعات السياسية والتفلتات الامنية ببعض المناطق بالبلاد والتى كشفت تالياً عن ارتفاع أعداد اللاجئين والتحديات المرادفة له مثل صعوبة وصول الخدمات الطبية لتلك المجموعات.
لماذا إستراتيجية؟
الحاجة الى إستراتيجية لمحاربة الإيدز فى عالم العمل خطتها الدولة لضمان عدد من الحقوق وتوضيح علاقة التعاون بين الشركاء بهدف تطوير الصياغات القانونية للسياسات الإقتصادية والأجتماعية للدولة والتنسيق لوضع تعليمات خاصة بمواصفات السلامة والصحة فى مكان العمل ، ووضعت إستراتيجية السودان نصب عينيها الأسباب التى أدت الى تداعى الاستراتيجيات بدول اخرى ، والتى تتمثل فى فشل الهيئات الوطنية فى إشراك ممثلين لعالم العمل مما يجعلها لاتمتلك رؤية واضحة بشان تنفيذ البرامج فى أماكن العمل ، بجانب عدم إستصحاب الهيئات الفاعلة من إدارات ومفتتشيات العمل والشركاء الاجتماعين فى إنفاذ الاستراتيجيات.
الى ذلك أكدت الأستراتيجية الوطنية على حق جميع العاملين المصابين بالفيروس وعائلاتهم بالتمتع بخدمات صحية مجانية أو بتكلفة معقولة ، اضافة الى حقه فى عدم طلب اجراء فحص الأيدز عند التقدم لوظيفة ما ، وعدم طلب الإفصاح عن تلك المعلومات للجهات المخدمة، كما أكدت الاستراتيجية على الا يتعرض العمال المهاجرون من أجل الحصول على عمل الى الاستبعاد على اساس اصابتهم بالمرض أو حتى عند الإشتباه فى ذلك .
ومضت الأستراتيجية بعد ان رصدت الوضع الحالى للمرض بالبلاد ومعرفة التحديات على ارض الوقع ، للتوجه لصياغة خطوات عملية للتنفيذ على أرض الواقع عبر - لجنة فيروس نقص المناعة المكتسبة ? والتى تحدد لها مرجعيات للعمل بعد مراجعة القوانين الوطنية وتاثيرها على المنشآة حيث تضع اللجنة ميزانية لطلب الدعم لأتخاذ الخطوات المطلوبة.
وأخيراً ، شددت الوثيقة على ان الأصابة بالمرض لاتشكل سبباً لانهاء المؤسسة لاستخدام العامل ، بل تجيز الوثيقة للعامل المصاب فى حال إشتد المرض وإستنفد كافة إجراءات الغياب كالاجازة المرضية أن تنهى المؤسسة خدمتة مع الإلتزام بعدم تمييزه ومنحة حقة الكامل فى الإعانة والتعويض.
الراي العام
الأربعاء 1 يونيو 2011م
الرابط:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق